المادة    
ذكر سابقاً: أن الحافظ ابن حجر ذكر -وهو رجل حافظ، ومن أكثر الناس جمعاً لكلام السلف، ويذكره في فتح الباري وغيره- أن مذهب أهل السنة والجماعة : أن الإيمان يتكون من هذه الثلاثة، وأن الخوارج مذهبهم أيضاً كذلك؛ لكن هناك فرقاً بين المذهبين، ولا بد أن نفرق، فيقول: إن الكلام واحد في الثلاثة، لكن الخوارج يجعلون رتبة الأعمال شرط صحة، وأما السلف فالأعمال عندهم شرط كمال.
وهذا الكلام خطؤه بيِّن ظاهر، فليس الفرق أن الأعمال عند أهل السنة شرط كمال، وعند الخوارج و المعتزلة شرط صحة، الفرق أيضاً في الزيادة والنقصان، فالأعمال عند أهل السنة والجماعة ليست كلاماً مجملاً؛ لأن من الأعمال ما هو ركن، وبذهابه يذهب الإيمان، مثل: الشهادتين، والصلاة عند جمهور السلف، ومن الأعمال ما يكون ذهابه نقصاً في الإيمان الواجب، وهذا في الواجبات، ومن الأعمال ما يكون ذهابه أو تركه نقصاً عن الإيمان الكامل، أي: الكمال المستحب لا الكمال الواجب.
فيقول: (القول الثالث: أن الإيمان: هو التصديق باللسان فقط، أي: الإقرار بحقيقة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.. إلى آخره، وهو قول الكرامية ، الرابع: أن الإيمان تصديق بالقلب واللسان معاً، وهو منقول عن أبي حنيفة ، ومشهور عن أصحابه، وعن بعض المحققين من الأشاعرة، فهذا الذي ذكره الشارح وقال: وذهب كثير من أصحابنا).
إذاً: فهو قول منقول عن أبي حنيفة ، ومشهور عن أصحابه، قال به أيضاً بعض المحققين من الأشاعرة ، وهم الذين قالوا: إنه شطر، أي: أنه عندهم مكون من شطرين: الإقرار الباطن -يعني: التصديق- والإقرار الظاهر، وهو النطق واستدرك في النهاية وقال: (على أن من محققي الحنفية من وافق الأشاعرة ، كما نبه عليه المصنف بقوله: إلا أن قول صاحب العمدة ، وهو أبو البركات النسفي منهم -أي: من الحنفية-: الإيمان: التصديق، فمن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن الله فهو مؤمن بينه وبين الله تعالى، والإقرار شرط لإجراء الأحكام -وهو- هذا القول الذي قال به صاحب العمدة من الحنفية- القول المختار عن الأشاعرة ؛ تبع فيه صاحب العمدة أبا منصور الماتريدي)، والماتريدي حنفي، فـالماتريدي خالف شيخه أبا حنيفة وجاء بهذا القول المبتدع؛ الذي هو في الحقيقة موافق لقول جهم ، ولمن سماهم المحققين من الأشاعرة ، فـالماتريدية وافقوا جمهور الأشاعرة.
وننتقل الآن إلى جوهرة التوحيد التي يحفظها الناس والطلاب في المعاهد الأزهرية وغيرها، فهناك يدرسونها ويشرحونها ويقررونها، ومع الأسف الشديد أن جامعة دولة الإمارات عندهم أن التوحيد هو شرح الجوهرة ، فيدرسون هذه العقيدة، وهي عقيدة إرجائية في الإيمان، وفي الصفات ومذهب الأشعرية في الصفات معروف، وكذلك في القدر، فهي مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة في أهم وأعظم أبواب العقيدة.
فالشاهد أن صاحب الجوهرة -وهو البيجوري - يقول:
وفسر الإيمان بالتصديـق            والنطق فيه الخلف بالتحقيق
فقيل شرط كالعمل وقيـل بل             شطر والإسلام اشرحنّ بالعمل